كان علي أن أبحث في ثنايا ودواخل هذه الشخصية التي يكاد يُجمع جميع من عرفها
على حبها .. فظللت أراقبها .. فقد عزمت على أخذ موعد منها ومقابلتها
والحرص على الذهاب لأي مكان توجد به .. فبغض النظر عن أني كنت من المتيمين :)
كانت ورائي مهمة أخرى وهي سؤال يجب أن أجد الإجابة عليه، كيف ملكت هذه
القلوب؟
وبدأت الإجابة تتسلسل في حلقات عندما ذهبت أنا لمقابلتها .. كان في اعتقادي الأول
أن تلك الشخصية التي رأتني مرة أو مرتين بالكثير لن يلصق اسمي في ذهنها بهذه
الطريقة .. دخلت على مُستقبل مكتبها وطلبت منه مقابلتها _ وقد كنا على موعد _
وفور دخول الاسم كان دخولي .. قامت من مكانها ولم تنتظر حتى أصل إليها وأسرعت
في الترحيب بابتسامة لازلت أذكرها .. حدثتني باهتمام بالغ وكانت نسبة تركيزها في
حديثي عالية إلى آخر دقيقة في اللقاء .. قلت في نفسي ( يبدو أنني شخصية مهمة وأنا
لا أعرف :) وانصرفت من عندها وأنا أشعر أن لي مكانة كبيرة بقلب هذه المرأة من
معاملتها لي .. وبعد أيام ذهبت لأقدم التقرير الذي كانت مقابلتها جزءًا منه وفي حين
يسرد القاريء أسماء التقارير وأسماء الضيوف وجدت أكثر من خمسة عشر تقريرًا
كانت هي جزء منه .. وعندما قص لي أصحاب التقارير عن معاملتها واستقبالها لهم
وجدت أنها استقبلتهم بنفس الحفاوة ونفس الاهتمام .. لم يكن الأمر غريبًا بالنسبة لي
فشخصية تحظى بمثل هذا الحب يجب أن يكون بها شيئًا مميزًا .. نعم إنها كانت تطبق
قاعدة ) أنت محل اهتمامي ( مع الجميع .. فتُشعر كل من تتعامل معه أنه شخص مهم
عندها وإن كانت العلاقة معه سطحية .. وعندما دققت أكثر بالموقف وجدت أن ما تفعله
لم يكن بدعًا من عندها .. فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الناس اهتمامًا
بالآخر .. وأكثر ما علق معي من مواقف السيرة هي قصة عزاءه للطفل الصغير الذي
توفى عصفوره .. وقبل ذلك عندما كان يسأله عليه دومًا فيقول له :" يا أبا عُمير ماذا
فعل النُغير " . حتى لا يتعلل أحد بضيق وقته .. فهذا القائد المربي صاحب مسؤوليات
أمة كاملة يقتطع من وقته ويذهب لعزاء طفل صغير مات عصفوره !!
قد يسأل أحدهم عن الفائدة التي نجنيها حين نكسب قلوب الناس وحبهم حين نهتم بهم ..
وقد أجاب الإسلام على هذا السؤال بجميع قواعد تعاملاته حين أوصانا في كثير
من الآيات والأحاديث بالاهتمام بالناس ومشكلاتهم فقال صلى الله عليه وسلم حين سُئل
عن أحب الناس إلى الله فقال :" أنفعهم للناس.. " وليس هذا فحسب بل حببنا في
مساعدتهم والاهتمام بهم بأن جعل لكل من يمشي في حاجة أخيه _ وإن لم تُقضى _
الأجر الوفير .. كل هذا لأن إسلامنا يهتم بالقلوب ويحرص على خلوها من الأدران
النفسية التي تعوق مسيرة الأمة في تقدمها ونهضتها والتي تنتج في كثير من الأحيان
بسبب شعور الفرد بأنه مُهمل في مجتمعه لا يهتم أحد له ولا لمشاعره .. والآن دعونا
نعرض بعض صور إهمال البعض للطرف الآخر وحجة كل منهم .. فلقد قابلت بحياتي
بعض الأفراد لا يعرفون سوى الاهتمام بأنفسهم وفقط .. أو الاهتمام بمحيطهم وحسب
فلا يوجد في قموسهم كلمة ) الآخر ( .. فماذا يستحق الآخر كي أحزن لأجله فأي علاقة
تربطني به .. ماذا يستحق الآخر كي أذهب لأشحن جوالي وأتصل به خصيصًا أطمئن
على صحته وعلى أحواله .. أتابعه وكيف حالك وحال دراستك وبيتك .... حتى وإن
كانت علاقتي به سطحية .. لماذا لا أشعره أنه هو محل اهتمامي .. وأني سعيد
بمعرفته .. وإنه من القلب بمكان .. فأمتلك قلبه وينبت في ذلك القلب حبًا يطرد أي كره
موجود .. فحين يحزن المرء من ذاك وذاك فإن قلبه يمتلأ بالكره والأحقاد فيكون محلًا
للشيطان .. أما القلب المليء بالحب فإنه يكون قلب عفي يقدر على النهوض برسالته
التي خُلق لأجلها ..
كلمة ( الآخر ) بحياتنا يجب أن تكون جزءًا من كلمة ( أنا( ..
كلمة ( الآخر ) بحياتنا يجب أن تكون جزءًا من كلمة ( أنا( ..
فكما أحب أن أُعامل باهتمام ولا أشعر الإهمال من أحد .. يجب علي أن أعامل الآخر
بمثل هذا الاهتمام .. فإن إهمال الناس ليس من باب ) الوجاهة الاجتماعية ( وإن ظن
البعض ذلك .. فقد رأيت من يفتخر أمامي بأن جواله به عشرون مكالمة مفقودة عمدًا وأنه
_ الشخصية المهمة _ التي لم تكترث لهذه المكالمات وترد عليها .. إنها الشخصية التي
يتصل بها الجميع ولا تتصل بأحد ..إنها الشخصية التي تُرسل لها رسائل التهنئة
على بريدها وهي تقرأها ولا ترد عليها..
خدعوكم فقالوا أن هذه الشخصية تحظى بحب واحترام أحد .. وإن أظهروا لها هذا فأنا
شخصيًا أرى أنه إذا كانت هناك شخصية تستحق الإهمال مني ( فهي هذه النوعية(
حتى ترى أن معاملة الآخر معها إنما هي مرآة تعكس صورة تعاملها ..
وحتمًا سيأتي اليوم الذي يعرف به كل إنسان يُهمل غيره أن وجوده مثل عدمه وأنه
لا يفرق مع الناس كما جعلهم لا يفرقون معه .. وسيشعر بالوحدة القلبية في كل حين
فهناك من يموت ويظل حيًا بقلوب الآخرين وهناك من يعيش وهو ميت بقلوب الآخرين
ولكن دعونا نعرض محترزًا هامًا بهذا الأمر وهو ألا يكون هذا الاهتمام مع الجنس
الآخر أي يكون بين الشباب وبعضهم والفتيات وبعضهن حتى لا يُفسر تحت أي بند ..
بل يجب أن يُمحى تمامًا بين الجنسين وتكون المعاملات سطحية على قدر الضرورة
وفقط .. وبالأخير واجبنا العملي هنا أن نحاول بقدر الإمكان الاهتمام بالآخر عن طريق
مثلًا إرسال رساله من وقت لآخر لكل من نعرفهم للإطمئنان على احوالهم ومتابعتهم
حتى إن غابوا نسأل عنهم .. الاتصال بهم من وقت لآخر .. زيارتهم .. تلبية دعوتهم
في أفراحهم .. تقديم هدايا لهم من وقت لآخر ... وكل هذه الأشياء .. والآن فقد قدمت
لك أيها القاريء هذا المقال فقط لأنك أنت محل اهتمامي :)